اياد الزهيري

Loading

جدلية العلاقة بين العقائد والسلوك

يمتد الجدل طويلاً في البحث عن الدوافع الحقيقية لكل مظاهر السلوك الإنساني , والبحث عن حقيقة هذه الدوافع , وهل هي غريزية أم وراثية , أم لها أصول فكرية وعقيدية , أو بيئية , وأجتماعية . لاشك أن لكل هذه العوامل أثرها على تشكيل وصياغة السلوك الأنساني , فالأخلاق خليط من كل تلكم العوامل , لكن لكل منها نسبتها في تشكيل المنظومة الأخلاقية والسلوكية للإنسان , وقد أختلف علماء الأخلاق والنفس والأجتماع في تأصيل الظاهرة السلوكية للإنسان , فقد قال الفيلسوف الألماني نيتشه أن الأخلاق ليست حقيقة موضوعية خالدة , بل هي نتاج ظروف ثقافية وتاريخية , ويذهب الى أن أخلاق الرحمة والصبر هي حيلة أبتكرها الضعفاء لكي يضحكوا بها على الأقوياء , ولكي يأخذوا منهم مكاسب ومنافع, ويذهب السفسطائيون اليونانيون الى نسبية الأخلاق وأنها تتغير بتغير الزمان والمكان , وتختلف بأختلاف الظروف والأحوال , في حين يبني سقراط نظريته بالأخلاق على العقل , كما أنه جعل قواعد الأخلاق ثابتة غير متغيرة , وجعل مقياس الخير والشر لا يتوقف على مصالح الناس , كما أنه صالح لكل زمان ومكان , كما أن أرسطو ربط مابين الفضيلة والسعادة التي تقوم على العقل والنفس , ويرى أن الفضيلة مَلكة , والممارسة شرط لنموها , وهنا نرى أن اليونانيون أنقسموا الى صنفين تبعاً لنظرية المعرفة , فالحسيون لا يخضعون لأي مانع لتحقيق غاية الإنسان المتمثلة باللذة الحسية , ومنهم السوفسطائيون , ومنهم من يبني الأخلاق على العقل والعلم ومنهم سقراط وأفلاطون وأرسطو (فلسفة الأخلاق في الحضارة اليونانية), ولو ذهبنا الى أحد فلاسفة عصر التنوير , وهو الفيلسوف الألماني عمانوئيل كانط نرى أن الفعل , ويعني السلوك الخلقي يقوم بالأساس على أحترام القانون , وهذا الأحترام ينشأ من العقل نفسه تلقائياً , ويقصد كانط بالقانون هنا بالقانون الخلقي , فمثلاً يقول أن الواجب الكامل (مثل واجب عدم الكذب) يظل صحيحاً دائماً (ويكبيديا) , يتضح من خلال ذلك أن هناك مدرستين رئيسيتين , وهي المدرسة الحسية (الغريزية) والتي يمثلها الفلاسفة السوفسطائيين , ومدرسة عقلية يمثلها ( سقراط, فلاطون, أرسطو) وصولاً الى كانط , ولاشك أن لكل مدرسة أتباع ومُريدين , وطبعاً هناك مدارس أخرى لايمكن أغفالها , ولكن بهذه المقالة المحدودة المساحة نكتفي بما عرضناه من آراء رئيسية.

الإنسان في بداياته , كائن لم تكن له تجربة عملية ولا عقلية , وأنما إنسان يمارس فعالياته بدافع تلبية حاجاته الضرورية بشكل تلقائي وفطري , وهكذا ممارسة, هي أستجابه طبيعية لنداء الغريزة , فيقول بوذا (إن الرغبة هي المهيمنة على الأشياء, وأنها مصدر الحركة في الناس…)( الأراء والمعتقدات: ص34 :غوستاف لوبون) , والغريزة :هي عبارة عن ميل فطري يدفع الكائن الحي الى العمل في أتجاه معين ,تحت ضغط حاجاته الحيوية. هذا التعريف يشمل كل الكائنات الحية , أما الإنسان بأعتبارة كائن أكثر أرتقاء من باقي الأحياء , فهو يتأثر بالحالة النفسية والمزاجية , أضافة لقوة العقل , ويعمل الى أتخاذ سلوك معين كرد فعل , وأجراء وقائي لتلافي مايضايقه ويعكر مزاجه , ومثال ذلك مانراه من سلوكيات يقوم بها لأتقاء الظروف الجوية والبيئية الخطرة والقاسية , فيحاول أتقاءها والتخفيف منها , حفاظاً على بقاء نوعه , كل هذه الأفعال , المدفوعة بدافع الغريزة والمزاج , تشكل نمط سلوكه على أرض الواقع . هذا السلوك الذي يقوم به الإنسان كوحدة مستقلة بذاته , يتطلب منه هذا النشاط من سلوكيات تأمن له متطلبات بقاءه , وأستمرار وجوده , ولكن الإنسان يعيش مع الكثير من أبناء نوعه , وهذا يقود الى حالة من التزاحم على الأشياء التي تسد حاجة هذه الغرائز , وكلما كانت هذه الأشياء محدودة ونادرة الوجود كلما كان هناك تزاحم أشد بين بني الإنسان عليها , وأن عدم كفايتها يؤدي الى صراع عنيف , قد يؤدي الى الأقتتال من أجل نيل المراد من هذه المتطلبات , ولاشك كلما أشتدت درجة الحاجة كلما يكون الصراع أشد وأعنف , الى أن يصل أحياناً الى محاولة فناء الطرف المنافس . مع الزمن وزيادة وعي الأنسان , ومعرفة ضرورة تلبية حاجاته ووعيه بأن هذه الأشياء محدودة التواجد , أنتبه الى حاجة جمعها , والسيطرة على مصادرها لتأمين حاجته بشكل مستدام , هذا الأمر أدى الى بروز مشاعر السيطرة والهيمنة على هذه المصادر, بأعتبارها حاجة ملحة , بسبب ذلك أدى الى حالة من الصراع بين بني البشر , وعندها يكون الفوز بأقتناء هذه الأشياء للأقوى , والأكثر شراسة , من هنا بدأت الصراعات والخلافات , حتى أن أسباب الصراع تطور من ضرورة جمع الأشياء الضرورية والبسيطة التي لا تتعدى التنافس على الطعام والماء , الى أسباب أبعد من ذلك تتعلق بالرغبة بالسيطرة , وحب الجاه , والسلطة , وتنمية الثروة , والرغبة بالتحكم بالمقدرات , ليشبع الإنسان شهوة الشعور بالسطوة والقدرة على الأخرين . الإنسان في هذا الطور يحكمه قانون الغاب , الذي يكون فيه البقاء للأقوى , حيث أن ما يحدد سلوكه هو رغبته بالوصول الى أقصى درجات اللذة , والتي بتلبيتها تتحقق سعادته , بغض النظر من أنه يمارس التعسف والظلم لبني نوعه من البشر , وما يمكن أن يلحق غيره من أذى , فهو سلوك يرفع شعار ( أنا ومن بعدي الطوفان) . الأمرالذي لم يتوقف عند الإنسان الفرد , بل تطور الى تلبية مقتضيات الأسرة مقابل تنافس الأسر الأخرى التي تقطن نفس بيئته , وهكذا الأمر تطور الى التنافس بين العشائر والأقوام , وبعد ذلك تطور الصراع بين الدول , والذي أخذ تطورات أوسع وأعنف , بحكم تطور أدوات الحرب , ورغبته المتزايدة في الهيمنة والأستيلاء على ممتلكات الغير , ونحن في عصرنا هذا نشهد هذا النوع من الصراع , ودرجة توحشه , في حروب عالمية أولى وثانية , والآن على أعتاب ثالثة, وما يجري من حروب أقليمية , ومنها الحرب الجارية الآن في غزه وجنوب لبنان , أنها حروب الرغبة بالسيطرة والهيمنة على مقدرات وثروات الشعوب من قِبل أخرى . هذا السلوك التصارعي التنافسي , هو سلوك كما قلنا قائم على تلبية نداء الغرائز , ويمكن تسميته بالسلوك الغرائزي , سلوك يتسم بالفوضى والعنف , والمنتج للدمار والموت , وللأسف مازال هذا النوع من السلوك يشتد يوماً بعد يوم , ويأخذ وتيرة متصاعدة , والى درجات خطيرة تهدد الإنسانية بالفناء , وما تصريحات الرئيس الروسي بوتين جراء الحرب الروسية الأوكرانية إلا مصداق لذلك , فالبشرية نتيجة هذا الصراع تقف على كف عفريت .والذي لم يحصل لها تطور ملحوظ في هكذا نوع من السلوك العنفي الغرائزي المتسم بالشدة والعنف , كما يحصل الآن, ولكن مسيرة الإنسانية لم تخلو من توجهات قام بها بني البشر من خلال حكماء وفلاسفة عبر التاريخ من تقديم نظريات وأفكار تقول بضرورة اللجوء الى العقل كوسيلة لصياغة سلوك أخلاقي يقي الإنسان شرور غلواء السلوك الغريزي , أبتداءاً من أقطاب الفلسفة الصينية كلاوتسو وكنفوشيوس , مروراً بالفلاسفة الأغريق من أمثال سقراط وأفلاطون وأرسطو الى فلاسفة التنوير من أمثال عمانؤيل كانط وسبينوزا الى يورغن هابرماس في العصر الحديث . لقد نادى هؤلاء الفلاسفة والحكماء بأن يكون العقل المحايد هو مصدر القيم الأخلاقية التي على أساسها يبني الإنسان سلوكه الخاص والعام , وعلى الإنسان أن يغادر السلوك الخشن والعنيف , والذي لايليق بما وصل أليه الإنسان من تطور علمي وتقني عالي , فأحرى بالأنسان أن يأخذ بناصية العقل كدليل , ومعيار في تقيم الحق والباطل , والخير والشر , وأن يبتعد عن مفاهيم السطوة والأستبداد والتوحش .

من المؤسف أن المشكلة الأكثر خطورة اليوم بدل من أن يأخذ العالم بما قدمه هؤلاء الفلاسفة من آراء وتوصيات علمية تجنب الإنسانية الكثير من المأساة والويلات , أخذت بعض المدارس الفكرية طريقاً غاية بالخطورة , الا وهو ألباس السلوك الغرائزي لباساً فكرياً , وأظهاره بأعتباره منجز حضاري , ينبغي اللجوء اليه بأعتباره آخر ما توصل له الفكر الإنساني , بأعتباره النموذج الأمثل , والأقدر على قيادة البشرية , وهذا ماعبر عنه الفيلسوف الأمريكي فوكوياما عبر نظريته المسماة بنهاية التاريخ , وذلك عن طريق أنتخاب النظام الأمبريالي الأمريكي كنموذج نهائي للبشرية , وهو نموذج قائم على الصراع والتنافس , وسيطرة الأقوى , وتهميش الأخر الأضعف , عبر جولة من الصراع أطلقوا عليه بصراع الحضارات , كما عبر عنه بكتابه (صراع الحضارات) الأمريكي صامويل هنتجتون , حيث تتربع على عرش العالم الأمبراطورية الأمريكية . أن كل المفاهيم واللوائح التي هندسها العقل الإنساني لم تلقى أي أهتمام في تجنيب الإنسانية شر الحروب , ولم تفلح الى الأرتقاء بالسلوك الفردي الى مستوى , ينتزع فيه الإنسان دوافعه الشريرة , وسلوكياته الأنانية ذات البعد العنفي , وعلى أساس هذه المعطيات , والمسيرة المؤلمة لحياة البشر , وما تضمر نفس الإنسان من نوازع الشر , الى جانب نوازع الخير فيه , وهنا علينا التنويه الى أن نوازع الشر عند الإنسان ليس نوازع شر خالصة , وأنما هي دوافع تبرزنتيجة لعجز في تلبية حاجة غريزية , أو هي نتاج الغلو والتطرف لتلبية الغرائز الكامنة في طبيعة الإنسان , فالإنسان في نظر القرآن الكريم يحمل أمكانية الخير والشر معاً (ونفس وما سواها ,فألهما فجورها وتقواها, قد أفلح من زكاها , وقد خاب من دسها..)(سورة الشمس) , وهنا يأتي ضرورة الدين في تقديمه لقيم الأخلاق كوسيلة لهندسة السلوك البشري , من خلاله, يُخلق عالم يسوده السلام والوئام , ويتخلله التعاون والتكافل بين بني البشر (وتعاونوا على البر والتقوى , ولا تعاونوا على الإثم والعدوان)(المائدة:2 ).

بعد أن سجل التاريخ أخفاق لدورالأحاسيس والمشاعر والعقل في أقامة العدل والسلام على هذه الأرض , ننتقل الى مجال العقائد , ومدى مساهمتها , في تشكيل السلوك الأخلاقي للبشر , وتأثيرها بهندسة الأجتماع الإنساني .

في البدأ يمكننا تعريف العقيدة بمفهوما العام : بأنها جملة من الأمور التي تصدق بها النفوس وتطئن إليها القلوب , وتكون يقيناً عند أصحابها لا يمازجها ريب ولا يخالطها شك. وهنا لا يمكننا أن نحصر عدد العقائد عبر التاريخ , فهي أكبر من أن تُعد وتُحصى , فهي يمكن أن تُصنف على أساس عقلاني , مقابل أسطوري , ومنها ما تُصنف على أساس سماوي مقابل ماهو وضعي , ومنها ما هو مادي مقابل ماهو ميتافيزيقي وهكذا , حيث أخذت هذه العقائد أتجاهات وتفسيرات مختلفة وبعضها متناقضة في شأن تأصيل الأخلاق , فمنهم من أوعز الأخلاق الى أنها مسألة متأصله بجوهر الإنسان كما ذهب الى ذلك الفيلسوف الصيني لاوتسو , ومنهم من لايقر بذلك وأنما يعتبرها حيلة الضعفاء لخداع الأقوياء كما يذهب الى ذلك الفيلسوف الألماني فردريك نيتشه , ولكن نحن هنا نركز على ما جاء به الإسلام من رؤية يمكن الأستعانة بها , أعتقاداً لما تتصف به من تأصيل حقيقي وواقعي , من خلال ما تعرضه من تبيان لجوهر الأخلاق عند الإنسان , وأنها ذات بذور متأصلة في كينونة الأنسان , وهو ما يُعرف بالبعد الإنساني , ولا يستبعد وجود مكمن , أو قابلية للشر , أعتماداً على الوجود البيولوجي لمجموعة من الغرائز التي تولد دافعاً ملحاً للأستجابة الفورية لأشباع هذه الغرائز التي لا تقبل التأجيل , وأن أي صد لهذه الأستجابة تولد حالة من الصراع بين الإنسان والآخر المنافس , المتصدي لحرمانه من أشباعها , بسبب ندرتها , كما أن غلو الإنسان وتماديه بالأستجابه لها يدفعه الى نوع من السلوك الذي يصطدم بحقوق أخرين , وأحياناً يرافقها درجة من التعدي والأستباحة لحقوقهم فيولد حالة من الصراع العنفي بينهم , لذا فأن الإسلام بما عُرف عنه من واقعية يعترف بالغريزة وبضرورة الأستجابة لها , ولكن ضمن تقنين معين يحفظ بها كرامته , ويمنعه من الغلو والتمادي في تلبيتها , لما لها من تداعيات نفسية وأجتماعية وأخلاقية خطيرة , فالأفكار والعقائد , يمكن أن تعزز الجانب الغريزي , وتؤدلج له , وتشجع عليه , ومثال ذلك أستراتيجية الأسكندر الأكبر في حروبه المعروفة , والحروب التي قادتها الأمبراطورية الرومانية قديماً , وفي العصر الحديث ضربت لنا بريطانيا وفرنسا وأمريكا مثالاً واضحاً لهذا اللون من العقائد التي تبرر السيطرة على شعوب وبلدان أخرى , من أجل الهيمنة على ثرواتها , وأراضيها لما تمثله من موقع جيوسياسي مهم , في حين هناك عقائد تساهم بأستباب الأمن والسلام بالعالم , وتمنع حالة الأعتداء , وتساهم بنشر العدل , ومناصرة الشعوب المظلومة والمضطهدة , والعقيدة الإسلامية واحدة من هذه العقائد , ومن نصوصها التي تؤكد ذلك ما يلي:

يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة (البقرة:)208

يهدي به الله من اتبع سبل السلام (المائدة:16 )

والله يدعو الى دار السلام(يونس:25 )

وإن جنحوا للسلم فاجنح لها (الأنفال:61 )

كما أن العقيدة التي تكبح الأعتداء , هي عقيدة معززه للسلم , ومعززة للعدالة , والعقيدة الأسلامية ممن أكدت على هذا الجانب (ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين)(البقرة:190 ) , ويكفي العقيدة الإسلامية رقي , وسمو , ما نجد بين نصوصها , مايفيض من مشاعر إنسانية , تصور العلاقة بين البشر بصفة الأخوة , كما في مقولة تُنسب للإمام علي (ع) يقول فيها( الناس صنفان إما أخ لك بالدين أو نظير لك بالخلق)(نهج البلاغة:ج3:ص84 ). أذن العقائد منها ما يعزز الجانب الغريزي , وضربنا عليها مثال , وهناك من يعزز الجانب الأيجابي في السلوك والممارسة الإنسانية , ومنها عقيدة الإسلام , ولكن هناك خطورة ينبغي الأنتباه أليها , الا وهي خطورة التحريف والتشوية التي تتعرض لها العقائد التي تعزز السلوك الأيجابي والمسالم , وتحوله الى أتجاه عدواني , يمارس أقصى درجات التوحش , ومثال ذلك تيار داعش الأرهابي , الذي يدعي الأنتماء الى الإسلام , الذي مارس تفسير متعسف للنص الديني , وأقلمه لأهدافه الشريرة , لخدمة أهداف سياسية , وضعتها مراكز قرار سياسية بغية تحقيق أهداف غاية بالخبث والعدوانية .

الخلاصة: إن الحواس والغرائز , والعقل عوامل ذات تأثير حاسم في سلوك الإنسان , ويذكر الفيلسوف والأجتماعي الفرنسي غوستاف لوبون في كتابه الأراء والمعتقدات ص 102 بما للمشاعر من أهمية في صناعة السلوك والممارسة الإنسانية , حيث يقول (فالمشاعر لا العقل هي التي تسير الأمم وتقيمها وتقعدها…) , ويقول (العقل يفقد سلطانه عندما تكون المشاعر شديدة)( الآءاء والمعتقدات:ص109 ) , وهنا يتضح والواقع يؤكد إن جل المآسي التي تعرضت لها الإنسانية هي نتيجة لمواقف شديدة العاطفة , وألحاح الغريزة وطغيانها , فبطغيان الغرائز , وثورة العواطف قصَّ رجال الثورة الفرنسية خلال أيام معدودة 17000 رأس أنسان (روح الثورات :177: غوستاف لوبون), لذا يكون من الضروري أن تكون هناك زواجر لهذه العواطف والغرائز المنفلته , وليس هناك قوة رادعة للغرائز والعواطف المنفلته الا قوة الدين بأعتبارة معتقد , والمعتقدات كما يقول غوستاف لوبون في روح الثورات ص52 ( للمعتقدات من السلطان الأكبر , فهي التي تقود التاريخ..) , لذا يكون من المهم والضروري أختيار المنظومة العقدية التي تحترم العقل , وتتحلى بالقيم الإنسانية العالية , لأنها هي القادرة وحدها على تغير روح الأمة , وتغير طباعها , والزاجرة لهيجان غرائزها , وعنف عواطفها , عقائد تتسم بالرحمة , والروح الإنسانية , وأن تكون في وئام مع العقل السليم , فالعقيدة السليمة هي من تحرك الوجدان , وتجعل من الضمير ينبض بكل ما هو إنساني , فاذا أوكلنا كل شيء للعقل , فلم تكن النتيجة إلا ما لمسناه من حروب ودمار بأدوات من صناعة العقل , وهنا يذكر غوستاف لوبون بهذا الصدد (فالمتعلمون والأساتذة والمحامون الذين ظُنَّ أن مانالوه من التهذيب المدرسي ألان طباعهم , هم الذين أقترفوا أشد المظالم أيام الثورة الفرنسية , ولم يُلطف التعليم طباع الناشئة في الوقت الحاضر)(روح الثورات ص243 ).

أياد الزهيري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *