(الأجتهاد ضرورة أم ضرر)
هناك دعوات لدى البعض ، تدعو الى عدم الحاجة الى الاجتهاد، بدعوى إن الموروث يغطي الحاجة ، ويُلبي متطلبات الواقع ، فهو يدعو الى تجميده ، والاكتفاء بما أنتجت الأقدمون من الفقهاء ، فقدوا باب الاجتهاد وحجروا النص وجمدوه ، مما قولوا المجتمع بقالب تراثي متجمد ، عجز عن تلبية حاجات الأمة ،وشكل عائق أمام تطورها ، بل وشكل عائق أمام نهضتها ، وقال أصحاب هذه المدرسة ، بأن ما أنتجت قرائح السلف يكفينا مؤنة كل الأزمان والدهور ، وما كان نتيجة ذلك إلا تجميد أفكار وقابليات هذه الأمة ،وما قدمته هذه المدرسة من أفكار سلفية غاية بالأنحطاط من أحكام متخشبة ،وفتاوي غاية بالتوحش ، وأفكار غاية بالسأم والتاجر. وهناك من يقول لا حاجة لعلماء دين يفتوا لنا ، وبالتالي ، لا نحتاج الى تقليد أحد ،طبعاً هناك دوافع مختلفة في رسم هذا الأتجاه ، منها ذات أهداف مشبوهة ، وقد وضحنا في مقالات ومنشورات سابقة عن هذه الأهداف ،ومنهم من يقول إن الإسلام واضح النصوص (إنا أنزلناه قربنا عربياً لعلكم تعقلون)(يوسف:٢) ،وبالتالي لا حاجة لنا بهذا العدد الهائل من المجتهدين ، الذين تحول منهم الكثير الى وعاظ سلاطين . لايمكنني التغافل ولا نكران وجود وعاظ السلاطين ،بل هم أحد أركان الأنظمة الفاسدة والظالمة ، بل بعضهم يشكل عقبة كأداء أمام تقدم وقيام النهضة الإسلامية الحقيقية ، والبعض الآخر تحول إلى أداة بيد الأجنبي ، ولكن هل كل هذه الأسباب كافية لأهمال الاجتهاد بالإسلام ، وألغاء دور المجتهدين، طبعاً لا وألف لا ، وقد يسأل البعض ، من أين جاءت هذه الضرورة ، طبعاً الضرورة تأتي من :
أولاً من أجل التواصل بين الماضي والحاضر ،ففي الماضي كانت هناك مساحة معرفية محددة بحدود الواقع الثقافي ،وأدوات معرفية أيضاً محددة بحكم التطور العلمي المتواضع ، كما إن حاجة الناس ونشاطاتهم محدودة ، فأنتج هذا الوضع حالة نسق تفسيري معين يتميز بالمحدودية ، وطبيعة فتاوي تتعلق بطبيعة وحاجات ذلك المجتمع ، ولما تغير الحال ونهضت الأفاق المعرفية ، وتطورت آلاته المعرفية ، وتوسعت حاجات البشر ، بحكم كثرة نشاطاتهم ، وبالتالي كَثُرة أبتلاءاتهم ، دعت الحاجة الى عملية أستنطاق جديدة للنصوص المقدسة ، وأستنباط جديد لأحكامه ،وقراءة النصوص الدينية بما يتناسب والتحولات والتغيرات المتسارعة والجديدة ، التي تستجيب لمتطلبات الفرد والمجتمع .
ثانياً: العمل على الربط بين الموروث والمتجدد . فالعطاء الفكري التفسيري والتأويلي لم يكن حالة مقدسة ، فقط النص القرآني وصحيح الحديث النبوي من يحمل عنوان القداسة ،لذا من حق الأجيال اللاحقة من المجتهدين أن يجتهدوا لعصرهم ، ويقدموا ما يصلح شأن أمتهم ، ويتبع مقاصد دينهم ، فمقاصد الدين لا يفهمها أيٍّ كان ، وكيفما كان ، بل تحتاج من يتعمق بالنص ويفهم مكنونه ، ويدرك دلالاته ، فالنص يمتلك قابلية كبيرة وتدفق خزير من المعاني ، لا يدركها عامة الناس ، لذا يكون الاجتهاد والتجديد حالة لا يمكن الاستغناء عنها ،وتجاهلها ، والتقليل من شأنها ، لأن من يحمل دعوى ألغاءها فهو لاشك جاهل بمهامها ، وضرورة وجودها ، أو هو يسعى لهدف عدائي خطير ، حيث يعتبر هذا الدين حجر عثرة أمام تحقيق غايته الخبيثة والخطيرة.
أياد الزهيري