محمد جواد الدمستانيمحمد جواد الدمستاني

Loading

وقد قلتم ربنّا الله فاستقيموا على كتابه

الإقرار بالربوبية ثم الاستقامة

نهج البلاغة – خطبة 176

محمد جواد الدمستاني

قال أمير المؤمنين عليه السلام «وَ قَدْ قُلْتُمْ رَبُّنَا اللَّهُ فَاسْتَقِيمُوا عَلَى كِتَابِهِ وَ عَلَى مِنْهَاجِ أَمْرِهِ وَ عَلَى الطَّرِيقَةِ الصَّالِحَةِ مِنْ عِبَادَتِهِ»، نهج البلاغة، خطبة 176

وهي من خطبة طويلة و فيها يعظ عليه السلام النّاس و يبيّن فضل القرآن و ينهى عن البِدعة، و في فقرة من الخطبة فيها نصائح للناس قال عليه السلام: «قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا وَ لا تَحْزَنُوا وَ أَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) وَ قَدْ قُلْتُمْ رَبُّنَا اللَّهُ فَاسْتَقِيمُوا عَلَى كِتَابِهِ، وَ عَلَى مِنْهَاجِ أَمْرِهِ، وَ عَلَى الطَّرِيقَةِ الصَّالِحَةِ مِنْ عِبَادَتِهِ، ثُمَّ لَا تَمْرُقُوا مِنْهَا، وَ لَا تَبْتَدِعُوا فِيهَا، وَ لَا تُخَالِفُوا عَنْهَا». الآية من سورة فصلت:30

«الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا» بعد الإيمان بالله و العقيدة يجب على المؤمن تطبيق أحكامها و الاستقامة على كتاب الله، و السير على المنهج الإلهي، و التعبد بالطريقة الصالحة الصحيحة في عبادته، فإذا ما آمن و عمل صالحا كما أراد الله فإنّ كل الأمور و الشدائد يتم تخطيها، و الإنسان عامة في هذه الحياة يتعرض إلى ابتلاءات كثيرة و صعوبات و تحديات و مخاطر لا يخلو من ذلك إنسان إنّما يختلفون بينهم شدة و ضعفا، كل هذه تحتاج إلى إيمان راسخ و استقامة ثابتة لتجاوزها، استقامة و صبر على طاعة الله عملاً بالواجبات، و استقامة و صبر عن معصية الله تركاً للمحرّمات، و النتيجة هي الجنّة.

فبعد الإيمان تجب الاستقامة و تعني الثبات على الطريق المستقيم و الخط الصحيح، فإذا تمّ ذلك حصل لكم شرط الاستحقاق فينجز اللَّه لكم وعده و تنزل الملائكة وتبشّركم «أَلَّا تَخَافُوا» من الحال و المستقبل «وَلَا تَحْزَنُوا» من الماضي، و تبشرهم بالجنة «وَ أَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ»، و «لَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ».

و قيمة الإنسان هي بالإيمان و العمل الصالح، و في عدة آيات قرآنية، قال الله تعالى: «وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ»، و هذه القيمة يتحدث عنها الله تبارك و تعالى بقوله: «قالوا ربّنا الله ثمّ استقاموا».

فالبداية من الإيمان «رَبُّنَا اللَّهُ»، والنهاية المرجوة هي النهاية السعيدة «وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ»، و بين البداية و النهاية شرط هو الاستقامة «ثُمَّ اسْتَقَامُوا».

و في الخطبة تأكيد على الاستقامة قال عليه السلام في نفس الخطبة: «الْعَمَلَ الْعَمَلَ، ثُمَّ النِّهَايَةَ النِّهَايَةَ، وَ الِاسْتِقَامَةَ الِاسْتِقَامَةَ، ثُمَّ الصَّبْرَ الصَّبْرَ، وَ الْوَرَعَ الْوَرَعَ..». نهج البلاغة، خطبة 176.

و الآية الكريمة التي ذكرها أمير المؤمنين (ع) «إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ» آية 30 من سورة فُصِّلَتْ، و بعدها «‎‏نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ ‎‏ نُزُلًا مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ‎». سورة فصّلت:31-32

القرآن الكريم في الآيات من 30-32 من سورة فصلت يشير إلى سبع مواهب عظيمة تبشرهم ملائكة الله بها عندما تهبط عليهم، و هي:

1- عدم الخوف «أَلَّا تَخافُوا»، و الخوف هو من الحوادث التي قد قد تقع في المستقبل.

2- عدم الحزن «وَ لا تَحْزَنُوا »، و الحزن هو القلق من الحوادث المؤسفة التي وقعت في الماضي.

3- البشارة بالجنة «وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ».

4- «نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ»، نحن أولياؤكم و لن نترككم وحيدين، بل نعينكم في الخير و تعصمكم عن الانحراف حتى تدخلوا الجنّة.

5- «وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ»، لكم ما تشتهون من نعيم الجنّة.

6- «وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ»، ما تطلبون.

7- «نُزُلًا مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ»، أنتم ضيوف الله الغفور الرحيم و في جنته الخالدة.

و ثمرة الاستقامة ليس فقط في البركات المعنوية و الروحية بل بالبركات المادية، و في الآية من سورة الجن قال الله تعالى«وَأَن لَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاءً غَدَقًا» سورة الجن:16.

قال أمير المؤمنين عليه السلام:

«وَ قَدْ قُلْتُمْ رَبُّنَا اللَّهُ فَاسْتَقِيمُوا عَلَى كِتَابِهِ» بتعظيمه و العمل بتكاليفه و أحكامه، و عدم مخالفته، و ألا تكونوا كالذين حكى اللّه تعالى هجرهم كتابه حتى يشكو نبيّهم منهم يوم القيامة في قوله تعالى: «وَقالَ الرَّسُولُ يا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً»، سورة الفرقان:30.

و «وعلى منهاج أمره»، أي باتباع طريقه الواضح، «و على الطريقة الصالحة من عبادته»، باتيانها على وجه صحيح، قال الله تعالى: «ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْها، وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ»، سورة الجاثية:18.

و الاستقامة تعني الالتزام بمنهج محمد و آل محمد صلوات الله و سلامه عليهم، و بولايتهم و قبول قيادتهم و الأخذ عنهم عليهم السلام، كما قال الإمام الرضا عليه السلام حين سئل، فقد روى محمد بن الفضيل قال «سَأَلْتُ أَبَا اَلْحَسَنِ اَلرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَنِ اَلاِسْتِقَامَةِ فَقَالَ هِيَ وَ اَللَّهِ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ»، بحار الأنوار،ج6،ص148، و هذا المنهج و قبول قيادتهم عليهم السلام هو الضامن لبقاء الدين الصحيح و الإسلام الأصيل.

و في الرواية عن رسول الله صلى الله عليه و آله بعد أن تلا الآية -إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ..- قال «قَدْ قَالَهَا أُنَاسٌ ثُمَّ كَفَرَ أَكْثَرُهُمْ، فَمَنْ قَالَهَا حَتَّى يَمُوتَ، فَهُوَ مِمَّنِ اِسْتَقَامَ عَلَيْهَا»، تفسير مجمع البيان، ج٩، ص٢١

و في الرواية عن أمير المؤمنين عليه السلام «قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اَللَّهِ أَوْصِنِي قَالَ: قُلْ رَبِّيَ اَللَّهُ ثُمَّ اِسْتَقِمْ، قَالَ: قُلْتُ: رَبِّيَ اَللَّهُ وَ مٰا تَوْفِيقِي إِلاّٰ بِاللّٰهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَ إِلَيْهِ أُنِيبُ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: لِيَهْنِئْكَ اَلْعِلْمُ يَا أَبَا اَلْحَسَنِ لَقَدْ شَرِبْتَ اَلْعِلْمَ شُرْباً وَ نَهَلْتَهُ نَهْلاً»، بحار الأنوار،ج40ص175

و روي أنّ رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم: «أخبرني بأمر أعتصم به، قال قل ربى اللّه ثم استقم». تفسير روح البيان، الشيخ اسماعيل حقي البروسوي، ج ٨، ص ٢٥٤

و في القرآن الكريم تأكيد على الاستقامة، الآيات:

«فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا ۚ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ»، سورة هود:112

«فَلِذَٰلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ»، الشورى: 15

و في الروايات عنهم عليهم السلام:

«ثَمَرَةُ الْعَقْلِ الِاسْتِقَامَةُ»، غرر الحکم، ص326، «وَ قُوا دِينَكُمْ بِالاسْتِقَامَةِ بِاللَّهِ»، تصنيف غرر الحكم ودرر الكلم، ص ٨٧، «الِاسْتِقَامَةُ سَلَامَةٌ»، غرر الحکم، ص26، «مَنْ طَلَبَ السَّلَامَةَ لَزِمَ الِاسْتِقَامَةَ»، غرر الحكم، ص593، «لَا مَسْلَكَ أَسْلَمُ مِنَ الِاسْتِقَامَةِ»، غرر الحكم، ص775.

و في نهج البلاغة (عليه السلام): «مَنِ اسْتَقَامَ فَإِلَى الْجَنَّةِ وَ مَنْ زَلَّ فَإِلَى النَّارِ»، نهج البلاغة، باب الخطب 119.

اللهم ثبتنا على الهدى و الاستقامة، و الحمد لله ربّ العالمين، و صلّ اللهم على محمد و آله الطاهرين.

مصادر: القرآن الكريم، نهج البلاغة، شروح نهج البلاغة، كتب الحديث، تفاسير القرآن، تفسير الأمثل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *