التعايش و حسن العلاقات في المجتمع
(خالطوا النّاس مخالطة إن متّم معها بكوا عليكم و إن عشتم حنّوا إليكم)
محمد جواد الدمستاني
توجيه و إرشاد بحسن العلاقات مع أفراد المجتمع، و حسن المعاملة مع الناس، بالأخلاق الكريمة و النبيلة فإنها تستلزم محبة النّاس و اشتياقهم لكم في حياتكم، و البكاء و التوجع و الألم عليكم في مماتكم.
و مخالطة النّاس و المعاشرة الحسنة معهم تشمل حسن الخلق و الرحمة و التودّد، الصبر، الحلم، التواضع، الإنصاف.
كما تشمل إعطاء الحقوق، الصدق، الوفاء بالعهود، المحافظة على الأمانات.
و كذلك مساعدتهم، قضاء حوائجهم.
فإذا ما تم التعامل بهذه الصفات فإنّ النّاس يشعرون في حالة موت صاحبها أنّهم فقدوا حبيبا و عزيزا و معينا فيبكون عليه و يترحمون، و أمّا قبل موته فإنّهم يشتاقون لرؤية صاحب الصفات الحسنة و الخلق الكريم، المعين لهم، و الصادق معهم، و يحنون إليهن و يرغبون في رؤيته و لقاءه.
و هذه دعوة قرآنية و الإسلام يدعو لحسن المعاملة مع النّاس و المعاشرة بالمعروف، قال تعالى: «وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً»، سورة البقرة:83، «إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ»، سورة يوسف:36:78.
و الحكمة دعوة لحسن المعاشرة و الكلام في أدب المعاشرة و العلاقات المتبادلة بين النّاس و لطف التصرَّفات و المحاباة بين النّاس، و قد رويت عنهم عليهم السلام روايات و أحاديث في ذلك، تعتبر قواعد و أسس للعلاقات الاجتماعية لعموم المجتمعات، و منها:
ما روي عن الإمام الصادق عليه السلام: «قَالَ رَسُولُ اللَّه (صلى الله عليه و آله) يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ إِنَّكُمْ لَنْ تَسَعُوا النَّاسَ بِأَمْوَالِكُمْ فَالْقَوْهُمْ بِطَلَاقَةِ الْوَجْه وحُسْنِ الْبِشْرِ»، الكافي، ج٢، ص١٠٣
و في خطبة صفات المتقين، قال أمير المؤمنين عليه السلام: «الْخَيْرُ مِنْهُ مَأْمُولٌ وَالشَّرُّ مِنْهُ مَأْمُونٌ، ..، يَعْفُو عَمَّنْ ظَلَمَهُ، وَيُعْطِي مَنْ حَرَمَهُ، وَيَصِلُ مَنْ قَطَعَهُ، بَعِيداً فُحْشُهُ، لَيِّناً قَوْلُهُ، غَائِباً مُنْكَرُهُ، حَاضِراً مَعْرُوفُهُ، مُقْبِلًا خَيْرُهُ، مُدْبِراً شَرُّهُ، ..»، نهج البلاغة، خطبة 193، و هذه صفات جالبة للحنان و المحبّة في الدّنيا، و البكاء و الألم في حالة الموت.
و من مواعظ المعاشرة قول أمير المؤمنين عليه السلام في الزهد فيما أيدي الناس، و عدم اتباع عيوبهم، و صيانة اللسان من الانفلات و الانزلاق، و المحافظة على الخطاب، قال عليه السلام:
«تَجَبَّبْ[تَحَبَّبْ]إِلَى النَّاسِ بِالزُّهْدِ فِيمَا أَيْدِيهِمْ تَفُزْ بِالْمَحَبَّةِ مِنْهُمْ»، غرر الحکم، ص318.
«لاَ تَتَّبِعَنَّ عُيُوبَ اَلنَّاسِ فَإِنَّ لَكَ عُيُوباً إِنْ عَقَلْتَ [مَا] يَشْغَلُكَ أَنْ تَعِيبَ أَحَداً»، عیونالحکم، ج1، ص523.
«لاَ تُسِئِ اَلْخِطَابَ فَيَسُوءَكَ نَكِيرُ اَلْجَوَابِ»، عیون الحکم، ص528.
و في رواياتهم عليهم السلام التحذير من معاشرة و مخالطة السفلة و متتبعي عيوب النّاس، و مصاحبة الأحمق و الفساق و أهل الفسوق و الكذّاب، و من ألهاك وأغراك و القاطع لرحمه، و الهمّاز و هو العيّاب.
و ذكر الإمام الباقر عليه السلام أنّ الصلاح بين النّاس يتم بالتعايش، و المعاشرة بينهم بالتسامح، قال عليه السلام «صَلاَحُ شَأْنِ اَلنَّاسِ اَلتَّعَايُشُ، وَ اَلتَّعَاشُرُ مِلْءَ مِكْيَالٍ ثُلُثَاهُ فَطَنٌ وَ ثُلُثٌ تَغَافُلٌ»، بحار الأنوار، ج71 ص 167.
و في كلام أمير المؤمنين عليه السلام أيضا دعوة إلى نوع من التساهل و التعامل مع النّاس «خَالِطُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ، وَ دَعُوهُمْ مِمَّا يُنْكِرُونَ، وَ لَا تَحْمِلُوهُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ وَ عَلَيْنَا فَإِنَّ أَمْرَنَا صَعْبٌ مُسْتَصْعَبٌ»، تصنيف غرر الحكم، ص ٤٣٧.
و ذكر الشيخ الصدوق رواية قريبة من هذه الرواية من وصية لأمير المؤمنين عليه السلام لابنه محمد بن علي، قال عليه السلام: «وَحَسِّنْ مَعَ جَميعِ النّاسِ خُلْقَكَ حَتّى إِذَا غِبْتَ عَنْهُمْ حَنُّوا إِلَيْك، وَإِذَا مِتَّ بَكَوْا عَلَيْكَ وَقَالُوا: إِنّا للهِّ وَإِنّا إليهِ رَاجِعُونَ، وَلَا تَكُنْ مِنَ الَّذينَ يُقَالُ عِنْدَ مَوْتِهِمْ: الْحَمْدُ للهِّ رَبِّ الْعَالَمينَ»، من لا يحضره الفقيه،ج ٤، ص٣٨٧.
و النتيجة لمعاملة الإنسان و أخلاقه في حياته تأتي حالة الحزن أو الفرح عند النّاس بعد موته، و إنّما يبكي الناس و يتحسرون عند المصائب، فمن كان موته مصيبة و مسبب للألم يذكرونه بالتوجع و يسترجعون، قال تعالى: «الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّـهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ»، سورة البقرة/156، و يستحبّ للإنسان الاسترجاع في المصيبة بأن يقول: إنّا للَّه وإنّا إليه راجعون.
أما إذا كان الإنسان سيئ الخلق فإنّ النّاس تكرهه و ترغب في موته، و تدعوا عليه بالموت، و كان من دعاء أمير المؤمنين عليه السلام «اَللَّهُمَّ مَنْ كَانَ فِي مَوْتِهِ فَرَجٌ لَنَا وَ لِجَمِيعِ اَلْمُسْلِمِينَ فَأَرِحْنَا مِنْهُ»، مهج الدعوات، ص6، فإذا مات اعتبر النّاس موته فرجا و نعمة تستحق الشكر لله، فيقولون «الْحَمْدُ للهِّ رَبِّ الْعَالَمينَ» التي تُقال عند حصول النعم، و في الحديث عن رسول الله صلة الله عليه و آله «أَعْدَدْتُ لِكُلِّ هَوْلٍ لاٰ إِلٰهَ إِلاَّ اَللّٰهُ، وَ لِكُلِّ هَمٍّ وَ غَمِّ مٰا شٰاءَ اَللّٰهُ، وَ لِكُلِّ نِعْمَةٍ اَلْحَمْدُ لِلّٰهِ، وَ لِكُلِّ رَخَاءٍ اَلشُّكْرُ لِلَّهِ، وَ لِكُلِّ أُعْجُوبَةٍ سُبْحٰانَ اَللّٰهِ، وَ لِكُلِّ ذَنْبٍ أَسْتَغْفِرُ اَللَّهَ، وَ لِكُلِّ مُصِيبَةٍ إِنّٰا لِلّٰهِ وَ إِنّٰا إِلَيْهِ رٰاجِعُونَ، وَ لِكُلِّ ضِيقٍ حَسْبِيَ اَللّٰهُ، وَ لِكُلِّ قَضَاءٍ وَ قَدَرٍ تَوَكَّلْتُ عَلَى اَللّٰهِ، وَ لِكُلِّ عَدُوٍّ اِعْتَصَمْتُ بِاللَّهِ، وَ لِكُلِّ طَاعَةٍ وَ مَعْصِيَةٍ لاَ حَوْلَ وَ لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ اَلْعَلِيِّ اَلْعَظِيمِ»، المصباح (الکفعمی)، ص82.
الصالحون و الطيبون و الأتقياء و الأنقياء موتهم مصيبة، و الظالمون و الجائرون و الأشقياء و الطغاة موتهم فرج و فرح للنّاس يحمدون الله عليه و يشكرون، قال تعالى: «فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ»، سورة الأنعام:45.