تذكر شهداء صفين و الحسرة بعدهم ..
أين اخواني الذين ركبوا الطريق، و مضوا علي الحق؟ أين عمار؟ و أين ابن التيهان؟ و أين ذو الشهادتين؟
محمد جواد الدمستاني
قال أمير المؤمنين عليه السلام «أَيْنَ إِخْوَانِيَ الَّذِينَ رَكِبُوا الطَّرِيقَ وَ مَضَوْا عَلَى الْحَقِّ أَيْنَ عَمَّارٌ وَ أَيْنَ ابْنُ التَّيِّهَانِ وَ أَيْنَ ذُو الشَّهَادَتَيْنِ وَ أَيْنَ نُظَرَاؤُهُمْ مِنْ إِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ تَعَاقَدُوا عَلَى الْمَنِيَّةِ وَ أُبْرِدَ بِرُءُوسِهِمْ إِلَى الْفَجَرَةِ». نهج البلاغة – خطبة 182
هذا المقطع في آخر أيام أمير المؤمنين عليه السلام أو في الخطبة الأخيرة له لأنّ في آخرها فما دارت الجمعة حتى ضربه الملعون ابن ملجم لعنه الله، و فيها تذکر شهداء صفین عند ما کان یعبیء جیشه للحرب ثانية مع الفئة الباغية، و رأی تخاذلا في الجیش.
و في بداية الرواية وصف للخطبة عن نَوْفٍ الْبَكَالِيِّ قَالَ «خَطَبَنَا بِهَذِهِ الْخُطْبَةِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٌّ عليه السلام بِالْكُوفَةِ وَ هُوَ قَائِمٌ عَلَى حِجَارَةٍ نَصَبَهَا لَهُ جَعْدَةُ بْنُ هُبَيْرَةَ الْمَخْزُومِيُّ وَ عَلَيْهِ مِدْرَعَةٌ مِنْ صُوفٍ وَ حَمَائِلُ سَيْفِهِ لِيفٌ وَ فِي رِجْلَيْهِ نَعْلَانِ مِنْ لِيفٍ وَ كَأَنَّ جَبِينَهُ ثَفِنَةُ بَعِيرٍ».
و جعدة بن هبيرة المخزومي هو ابن أخت الإمام (عليه السلام) أم هاني بنت أبي طالب (عليه السلام).
وهذه الخطبة هي نفسها التي فيها قوله عليه السلام «أَيْنَ الْعَمَالِقَةُ وَ أَبْنَاءُ الْعَمَالِقَةِ أَيْنَ الْفَرَاعِنَةُ وَ أَبْنَاءُ الْفَرَاعِنَةِ أَيْنَ أَصْحَابُ مَدَائِنِ الرَّسِّ الَّذِينَ قَتَلُوا النَّبِيِّينَ وَ أَطْفَئُوا سُنَنَ الْمُرْسَلِينَ وَ أَحْيَوْا سُنَنَ الْجَبَّارِينَ أَيْنَ الَّذِينَ سَارُوا بِالْجُيُوشِ وَ هَزَمُوا بِالْأُلُوفِ وَ عَسْكَرُوا الْعَسَاكِرَ وَ مَدَّنُوا الْمَدَائِنَ». نهج البلاغة – خطبة 182
و في الخطبة مقطع يتذكر فيه الشهداء، قال عليه السلام «مَا ضَرَّ إِخْوَانَنَا الَّذِينَ سُفِكَتْ دِمَاؤُهُمْ وَ هُمْ بِصِفِّينَ أَلَّا يَكُونُوا الْيَوْمَ أَحْيَاءً، يُسِيغُونَ الْغُصَصَ، وَ يَشْرَبُونَ الرَّنْقَ، قَدْ وَ اللَّهِ لَقُوا اللَّهَ فَوَفَّاهُمْ أُجُورَهُمْ، وَ أَحَلَّهُمْ دَارَ الْأَمْنِ بَعْدَ خَوْفِهِمْ، أَيْنَ إِخْوَانِيَ الَّذِينَ رَكِبُوا الطَّرِيقَ، وَ مَضَوْا عَلَى الْحَقِّ، أَيْنَ عَمَّارٌ وَ أَيْنَ ابْنُ التَّيِّهَانِ وَ أَيْنَ ذُو الشَّهَادَتَيْنِ، وَ أَيْنَ نُظَرَاؤُهُمْ مِنْ إِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ تَعَاقَدُوا عَلَى الْمَنِيَّةِ، وَ أُبْرِدَ بِرُءُوسِهِمْ إِلَى الْفَجَرَةِ».
قَالَ ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى لِحْيَتِهِ الشَّرِيفَةِ الْكَرِيمَةِ فَأَطَالَ الْبُكَاءَ.
ثُمَّ قَالَ عليه السلام :«أَوِّهِ عَلَى إِخْوَانِيَ الَّذِينَ تَلَوُا الْقُرْآنَ فَأَحْكَمُوهُ، وَ تَدَبَّرُوا الْفَرْضَ فَأَقَامُوهُ، أَحْيَوُا السُّنَّةَ وَ أَمَاتُوا الْبِدْعَةَ، دُعُوا لِلْجِهَادِ فَأَجَابُوا وَ وَثِقُوا بِالْقَائِدِ فَاتَّبَعُوهُ».
ثُمَّ نَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ : «الْجِهَادَ الْجِهَادَ عِبَادَ اللَّهِ أَلَا وَ إِنِّي مُعَسْكِرٌ فِي يَومِي هَذَا فَمَنْ أَرَادَ الرَّوَاحَ إِلَى اللَّهِ فَلْيَخْرُجْ».
يتذكر أمیر المؤمنین علیه السلام رحيل الشهداء، أولئك الذین صدقوا ما عاهدوا الله علیه و وصلوا الیه، و قد وصل الأمر في أعداد من أفراد الجيش يفتقدون المسؤوية و الطاعة مع تفرق كلمتهم و تشتت رأيهم، یخبرهم بأنّ رفع المصاحف فی ساحة الحرب بصفین خدعة و حیلة فلا یعملون برأیه، فیتذکر أولئك الشهداء الصادقين و یتأسف علیهم.
و مثلها خطبة 121 في نهج البلاغة « أَيْنَ الْقَوْمُ الَّذِينَ دُعُوا إِلَى الْإِسْلَامِ فَقَبِلُوهُ وَ قَرَءُوا الْقُرْآنَ فَأَحْكَمُوهُ وَ هِيجُوا إِلَى الْجِهَادِ فَوَلِهُوا وَلَهَ اللِّقَاحِ إِلَى أَوْلَادِهَا وَ سَلَبُوا السُّيُوفَ أَغْمَادَهَا وَ أَخَذُوا بِأَطْرَافِ الْأَرْضِ زَحْفاً زَحْفاً وَ صَفّاً صَفّاً بَعْضٌ هَلَكَ وَ بَعْضٌ نَجَا لَا يُبَشَّرُونَ بِالْأَحْيَاءِ وَ لَا يُعَزَّوْنَ عَنِ الْمَوْتَى مُرْهُ الْعُيُونِ مِنَ الْبُكَاءِ خُمْصُ الْبُطُونِ مِنَ الصِّيَامِ ذُبُلُ الشِّفَاهِ مِنَ الدُّعَاءِ صُفْرُ الْأَلْوَانِ مِنَ السَّهَرِ عَلَى وُجُوهِهِمْ غَبَرَةُ الْخَاشِعِينَ أُولَئِكَ إِخْوَانِي الذَّاهِبُونَ فَحَقَّ لَنَا أَنْ نَظْمَأَ إِلَيْهِمْ وَ نَعَضَّ الْأَيْدِي عَلَى فِرَاقِهِمْ».
ينبه عليه السلام على عدم ضرر الموت لإخوانه من الصحابة الَّذين استشهدوا بصفين، «مَا ضَرَّ إِخْوَانَنَا الَّذِينَ سُفِكَتْ دِمَاؤُهُمْ وَ هُمْ بِصِفِّينَ أَلَّا يَكُونُوا الْيَوْمَ أَحْيَاءً،..»، بل الموت سعادة لهم و سرورا، لقد استراحوا من همّ الدّنيا و غمها، و أصبحوا في جوار ربهم يرزقون من فضله، و هم «أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ» آل عمران : 196-170
« يُسِيغُونَ الْغُصَصَ، وَ يَشْرَبُونَ الرَّنْقَ، قَدْ وَ اللَّهِ لَقُوا اللَّهَ فَوَفَّاهُمْ أُجُورَهُمْ، وَ أَحَلَّهُمْ دَارَ الْأَمْنِ بَعْدَ خَوْفِهِمْ».
يُسِيغُونَ الْغُصَصَ: يتجرّعونها ويتناولونها ، والغصص جمع غصة و هو ما يعترض في الحلق، و يَشْرَبُونَ الرَّنْقَ أي يَشْرَبُونَ الكدر وهي كناية عن المتاعب والآلام.
«قَدْ وَ اللَّهِ لَقُوا اللَّهَ فَوَفَّاهُمْ أُجُورَهُمْ»، لقوا اللَّه و أعطاهم أجورهم كاملة.
«وَ أَحَلَّهُمْ دَارَ الْأَمْنِ بَعْدَ خَوْفِهِمْ»، أسكنهم جنانه مفتحة بعد خوفهم و ابتلاءاتهم في الدّنيا.
و أخذ عليه السلام في الاستفهام توجّعا و تحسّرا لفقدهم و غربته بعدهم فأين هؤلاء الذين سلكوا طريق الحق و مضوا عليه و استقاموا فيه، «أَيْنَ إِخْوَانِيَ الَّذِينَ رَكِبُوا الطَّرِيقَ، وَ مَضَوْا عَلَى الْحَقِّ، أَيْنَ عَمَّارٌ وَ أَيْنَ ابْنُ التَّيِّهَانِ وَ أَيْنَ ذُو الشَّهَادَتَيْنِ».
وقد استشهد فی حروب الإمام الآلاف من الشهداء، و ذكر عليه السلام ابتداء أبرز الشهداء و أكابر القوم ممن كان معه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله و استشهدوا في معركة صفين، و هم عمّار، و ابن التيّهان، و ذي الشهادتين.
أما عمّار بن ياسر فقد استشهد في صفين، و كانت شهادته حجة لمن له عقل سليم و بصيرة، فقد قال فيه رسول الله صلى الله عليه و آله « تَقْتُلُكَ اَلْفِئَةُ اَلْبَاغِيَةُ، وَ أَنْتَ إِذْ ذَاكَ مَعَ اَلْحَقِّ وَ اَلْحَقُّ مَعَكَ، يَا عَمَّارُ إِنْ رَأَيْتَ عَلِيّاً قَدْ سَلَكَ وَادِياً وَ سَلَكَ اَلنَّاسُ كُلُّهُمْ وَادِياً فَاسْلُكْ مَعَ عَلِيٍّ فَإِنَّهُ لَنْ يُدْلِيَكَ فِي رَدًى وَ لَنْ يُخْرِجَكَ مِنْ هُدًى». بحار الأنوار،ج38ص38، و استشهد و عمره أكثر من تسعين سنة، أجّل الله موته بعد التعذيب الذي تعرضت له أسرته و استشهد أبوه و أمه، و و بقى مدة مديدة حتى معركة صفين ليميز بقتله الفئة الباغية عن الفئة المؤمنة العادلة لمن له وعي و بصيرة.
و في موقف غريب ينم عن أعوان معاوية و أصحابه أنّ قاتل عمّار قيل أبو الغادية الذي روى عن النبي صلّى اللّه عليه وآله النهي عن القتل ثم يقتل عمّار، و كان أبو الغادية إذا استأذن على معاوية وغيره ، قال : قاتل عمّار بالباب.
و أمّا ابن التیهان فهو ابو الهیثم مالك بن التیهان الانصاری، صحابی جلیل، حارب فی بدر و أحد و المشاهد کلها مع النبی صلى الله عليه و آله. حارب فی صفین مع الإمام علی علیه السلام و أستشهد فیها.
و أمّا ذو الشهادتین فهو خُزیمة بن ثابت و کان النبی صلى الله عليه و آله قد جعل شهادته شهادة رجلین فی القصة المشهورة، حارب فی بدر و ما بعدها من الحروب، و حارب فی الجمل و صفین و استشهد بها.
و لما قتل عمار قال ذو الشهادتين: سمعت رسول اللَّه (صلى الله عليه و آله) يقول: تقتل عمارا الفئة الباغية، ثم سل سيفه فقاتل حتى قتل.
و ذكر ثانيا أمثالهم من إخوانهم الذين استشهدوا في صفين، بقوله عليه السلام: «وَ أَيْنَ نُظَرَاؤُهُمْ مِنْ إِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ تَعَاقَدُوا عَلَى الْمَنِيَّةِ وَ أُبْرِدَ بِرُءُوسِهِمْ إِلَى الْفَجَرَةِ».
و هؤلاء كثيرون، و ذكر الشيخ مغنية في (في ظلال نهج البلاغة،ج ٣ ص٣٦) أنّه كان مع الإمام في صفين 2800 من الصحابة ، منهم 87 من البدريين، و 900 ممن شهد بيعة الرضوان.
و في الاستيعاب ( ج ٣، ص ١١٣٨) شهدنا مع علي (عليه السّلام) صفين في ثمانمائة – من بايع بيعة الرضوان، قتل منهم ثلاثة وستون ، منهم عمار بن ياسر.
و هؤلاء قد تعاهدوا على الموت مع الإمام عليه السلام، و استشهد منهم عدد كبير.
و منهم هاشم بن عتبة بن أبی وقاص المرقال، من الشجعان الابطال و الفضلاء، و کان قیادیا فی حروب الفتوحات الاسلامیة، و شارك فی حربی الجمل و صفین و کان قائدا بارزا فیهما. فکانت معه الرایة فی صفین قطعت رجله و جعل یقاتل من دنا منه و هو بارك، ثم أستشهد رحمه الله، و أستشهد أخوه حمزة معه فی صفین ایضا.
و منهم أويس القرني، استشهد في صفين، و فيه أخبر أمير المؤمنين عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قَالَ « اَللَّهُ أَكْبَرُ أَخْبَرَنِي حَبِيبِي رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ أَنِّي أُدْرِكُ رَجُلاً مِنْ أُمَّتِهِ يُقَالُ لَهُ أُوَيْسٌ اَلْقَرَنِيُّ يَكُونُ مِنْ حِزْبِ اَللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ يَمُوتُ عَلَى اَلشَّهَادَةِ يَدْخُلُ فِي شَفَاعَتِهِ مِثْلُ رَبِيعَةَ وَ مُضَرَ». الخرائج و الجرائح،ج1ص200
و من شهداء صفين سعد بن حذيفة بن اليمان، صفوان بن حذيفة بن اليمان، عبد الله بن أبي الحصين الأزدي.
هؤلاء و نظراؤهم من الشهداء قد «تَعَاقَدُوا عَلَى الْمَنِيَّةِ»، تعاهدوا و اتفقوا على القتال حتى الشهادة، «وَ أُبْرِدَ بِرُءُوسِهِمْ إِلَى الْفَجَرَةِ»، أخذت رؤوسهم بالبريد إلى الفجرة و الفسقة هم أُمراء الشام معاوية و أصحابه.
سياق النص يشير إلى قطع أصحاب معاوية بصفين رؤوس جماعة من أصحاب الإمام ،و أرسلوا بها إلى الفجرة معاوية و أمراء الشام، و كانوا شاهدين صفين، أما غير صفين فقد حمل رأس محمّد بن أبي بكر، و الخطبة كانت بعد قتل محمّد و قرب شهادته عليه السّلام، و قد قطع رأس محمد وبعث برأسه إلى معاوية، فكان أوّل رأس طيف به في الاسلام.
و ذُكر أنّ معاوية أوّل من أسّس هذه الشناعة في الإسلام، وتبعه من بعده من الجبابرة، و لاحقا بعد شهادة أمير المؤمنين عليه السلام بعشر سنين قُتل عمرو بن الحمق الخزاعي و حُمل رأسه إلى معاوية، فقد بعث عامل الموصل من أخذ رأسه وبعثه إلى زياد ، فبعثه زياد إلى معاوية وقالوا : إنّ رأسه أوّل رأس حمل في الإسلام من بلد إلى بلد.
قَالَ: ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى لِحْيَتِهِ الشَّرِيفَةِ الْكَرِيمَةِ فَأَطَالَ الْبُكَاءَ .
و أخذ بالتوجع على رحيلهم، و ذكر صفاتهم و فضائلهم:
«أَوِّهِ عَلَى إِخْوَانِيَ»، أَوِّهِ : كلمة توجّه، من تقلَّب الزمان وفقد الأخوان و تراكم الأحزان.
«الَّذِينَ تَلَوُا الْقُرْآنَ فَأَحْكَمُوهُ»، تلاوة القرآن و إحكامه و فهم معانيه.
وَ «تَدَبَّرُوا الْفَرْضَ فَأَقَامُوهُ»، تدبّروا و تفكروا في الفرض و الواجب و فلسفته و أقاموه و واظبوا عليه، تقربا إلى الله.
«أَحْيَوُا السُّنَّةَ وَ أَمَاتُوا الْبِدْعَةَ»، إحياء سنة النبي صلى الله عليه و آله، و إحياء المستحبات و المندوبات، وإماتة البدع المخالفة لها.
و في معاني الأخبار عن أمير المؤمنين عليه السلام« اَلسُّنَّةُ مَا سَنَّ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ، وَ اَلْبِدْعَةُ مَا أُحْدِثَ مِنْ بَعْدِهِ ». معاني الأخبار،ج1ص154
و في الرواية عن النَّبِيّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ «إِنَّمَا اَلْعِلْمُ ثَلاَثٌ: آيَةٌ مُحْكَمَةٌ، أَوْ فَرِيضَةٌ عَادِلَة،ٌ أَوْ سُنَّةٌ قَائِمَةٌ، وَ مَا خَلاَهُنَّ فَهُوَ فَضْلٌ». وسائل الشیعة،ج17ص327
«دُعُوا لِلْجِهَادِ فَأَجَابُوا»، أجابوا دعوة الداع إلى الجهاد دون تثاقل أو تلكُّؤ.
وَ «وَثِقُوا بِالْقَائِدِ فَاتَّبَعُوهُ»، و اعتمدوا و استندوا بإخلاص للقائد و اتّبعوه و هو أميرهم أمير المؤمنين عليه السلام، و افتدوه بأرواحهم لعقيدتهم فيه، و لما رأوا فيه من الإيمان و التقوى و الإخلاص و البصيرة و الحنكة ، و الصدق، ، و محاسن الصفات و الكمالات.
و في القيادة و الطاعة روى عنِ اَلرِّضَا عَنْ آبَائِهِ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ قَالَ: رَأَى أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ رَجُلاً مِنْ شِيعَتِهِ بَعْدَ عَهْدٍ طَوِيلٍ وَ قَدْ أَثَّرَ اَلسِّنُّ فِيهِ وَ كَانَ يَتَجَلَّدُ فِي مَشْيِهِ، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ كَبِرَ سِنُّكَ يَا رَجُلُ قَالَ فِي طَاعَتِكَ يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ إِنَّكَ لَتَتَجَلَّدُ، قَالَ عَلَى أَعْدَائِكَ يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَجِدُ فِيكَ بَقِيَّةً قَالَ هِيَ لَكَ يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ».الأمالی (للصدوق)،ج1ص177
و نهاية نَادَى بالجهاد بِأَعْلَى صَوْتِهِ «الْجِهَادَ الْجِهَادَ عِبَادَ اللَّهِ أَلَا وَ إِنِّي مُعَسْكِرٌ فِي يَومِي هَذَا فَمَنْ أَرَادَ الرَّوَاحَ إِلَى اللَّهِ فَلْيَخْرُجْ»، أي انهضوا و أسرعوا إلى الجهاد، فمن أراد الرواح إلى اللَّه و لقاء الآخرة فليخرج إلى الجهاد في سبيله، فاستجاب له من استجاب، و خاب من خاب.
و نهاية الخطبة قَالَ نَوْفٌ : «وَ عَقَدَ لِلْحُسَيْنِ عليه السلام فِي عَشَرَةِ آلَافٍ، وَ لِقَيْسِ بْنِ سَعْدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي عَشَرَةِ آلَافٍ، وَ لِأَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ فِي عَشَرَةِ آلَافٍ، وَ لِغَيْرِهِمْ عَلَى أَعْدَادٍ أُخَرَ، وَ هُوَ يُرِيدُ الرَّجْعَةَ إِلَى صِفِّينَ، فَمَا دَارَتِ الْجُمُعَةُ حَتَّى ضَرَبَهُ الْمَلْعُونُ ابْنُ مُلْجَمٍ لَعَنَهُ اللَّهُ فَتَرَاجَعَتِ الْعَسَاكِرُ فَكُنَّا كَأَغْنَامٍ فَقَدَتْ رَاعِيهَا تَخْتَطِفُهَا الذِّئَابُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ».
شاء الله أن يختاره إليه سلام الله عليه في هذا الوقت بعد الخطبة بأيام قليلة، فتراجعت العساكر من المعسكر إلى الكوفة.
اللهم اجمع بيننا و بين نبيّنا الأكرم محمد و آل محمد و وصيّه صلواتك عليهم أجمعين، و الشهداء و الصديقين في جنانك الواسعة، و الحمد لله ربّ العالمين، وصلّ اللهم على محمد و آله الطاهرين.